من العمل العشوائي إلى العمل العميق: رحلتي مع التركيز

October 28, 20253 min read
Custom HTML/CSS/JAVASCRIPT

اليوم، سأتحدث عن أسلوب عمل يتّبعه كثير من الأشخاص الناجحين، وربما كنتَ تمارسه في مرحلةٍ ما من حياتك، حتى وإن لم تكن تسميه بهذا الاسم. هذا الأسلوب يُعرف باسم العمل العميق.

تعرّفت إليه عن قُرب عندما قرأت كتاب Deep Work للمؤلف كال نيوبورت، وهو الذي قدّم هذا المفهوم وشرح أهميته ونتائجه بطريقة لفتت انتباهي بشدّة.

العمل العميق

ببساطة، العمل العميق هو أن تعمل بتركيزٍ كامل، دون أي مقاطعة أو تشتيت، لتنجز شيئًا مميزًا واستثنائيًا… شيئًا لا يمكن الوصول إليهعبر العمل السطحي أو المشتّت.

هل تعلم أن الكاتبة ج. ك. رولينغ، مؤلفة سلسلة هاري بوتر، واجهت صعوبة في استكمال الجزء الأخير من السلسلة؟ لم تكن قادرة على الكتابة من منزلها، بسبب كثرة الملهيات والمقاطعات. فقررت أن تحجز غرفة في فندق، وتختفي عن العالم لبعض الوقت. كانت تذهب يوميًا إلى هناك، تجلس وحدها، وتكتب في عزلة تامة. هذه البيئة التي وفّرتها لنفسها كانت ما سمح لها بإتمام العمل، وبأفضل ما يمكن أن تقدّمه.

هذا هو تأثير العمل العميق.

نتيجته؟ عمل يحمل العمق نفسه.

لكن، حتى إن كنت الآن مقتنعًا بأهمية هذا النوع من العمل، من الطبيعي أن تجد صعوبة في تطبيقه. فالانتقال من حالة التشتّت إلى حالة التركيز ليس بالأمر السهل.

كثير من الناس يحاولون يومًا أو يومين، ثم يستسلمون.

وأنا شخصيًا لاحظت أن أكبر التحديات التي تواجهني ليست دائمًا المشتتات الخارجية والمقاطعات. بل في كثير من الأحيان، المشتّتات تنبع من الداخل…

رغبة مفاجئة في تناول وجبة خفيفة. رغبة في تصفّح هاتفي. رغبة في مشاهدة فيديو يوتيوب تنتهي بساعتين من المشاهدات العشوائية.

هذه “الرغبات اللحظية” التي تطرأ علينا من الداخل، هي غالبًا أكثر ما يُفقدنا التركيز. وهي التي تُضعف إرادتنا، وتُبعدنا عن العمل العميق الذي نريده.


📍 الأنماط الأربعة للعمل العميق:

اختر النمط الذي يناسبك اليوم… وليس إلى الأبد

من أكثر الأمور التي أعجبتني في كتاب Deep Work لكال نيوبورت، هي فكرته الواضحة والبسيطة:

هناك أربعة أنماط مختلفة للعمل العميق — وليس نمطًا واحدًا يناسب الجميع.

وهذا ما أؤمن به دائمًا: لا يوجد قالب واحد يناسبنا جميعًا. لكلٍّ منا طبيعته وظروفه.

لكلٍّ منا ظروفه، طاقته، والتزاماته المختلفة.

أجمل ما في الأمر أن هذه الأنماط ليست قواعد صارمة، بل خيارات مرنة يمكنك التبديل بينها حسب مرحلتك وواقعك.


1️⃣ النمط الرهباني (Monastic):

نسبة لرجال الدين الذين يعتكفون.

هذا النمط مناسب للأشخاص الذين يقررون تكريس حياتهم، أو جزء طويل منها، للعمل الفكري العميق.

يعني عزلة شبه تامة عن كل المشتتات: لا وسائل تواصل، لا اجتماعات، لا تفاعل خارجي إلا للضرورة القصوى.

الكاتب الأمريكي الشهير نيل ستيفنسون رفض لسنوات الرد على الإيميلات أو حضور الاجتماعات، وقال صراحة إنه إن فتح بريده الإلكتروني، ضاع منه اليوم… وربما ضاعت منه رواية كان يمكن أن يكتبها.

هذا النمط مثالي إن كنت تعمل على مشروع طويل الأمد وتملك المساحة والحرية للانعزال. لكنه على الأغلب غير مناسب للأغلبية.

وأنا شخصيًا كنت أتبعه دون أن أدرك، خلال فترة دراستي العليا وكتابة رسالة الماجستير.

كنت طالبة متفرغة، أعيش وحدي، بلا مقاطعات تقريبًا. ولذلك كان هذا النمط طبيعيًا جدًا حينها.

أما اليوم؟ لا أظن أنه يناسبني في هذه المرحلة من حياتي… وربما أعود إليه لاحقًا إن تغيّرت الظروف.


2️⃣ نمط العمل الثنائي (Bimodal):

في هذا النمط، يُقسّم الشخص وقته بين أيام مركزة جدًا للعمل العميق، وأيام أخرى للمهام اليومية والتواصل.

الفيزيائي كارل يونغ كان يقسّم وقته بين عيادته اليومية، وحياته الاجتماعية، وبين برج حجري صغير يذهب إليه ليكتب ويتأمل وينعزل تمامًا.

النمط الثنائي مناسب جدًا لأصحاب الأعمال الحرة أو العاملين في مجالات إبداعية، والذين يستطيعون تخصيص أيام محددة في الأسبوع للعمل العميق، ثم العودة للتفاعل بقية الأيام.

Back to Blog

Amira Mohammed lagraa Consulting and Marketing Studies ⓒ 2025 📍 Dubai - UAE 📧 [email protected]